أهمية العلم والتعلم في الإسلام

أهمية العلم والتعلم في الإسلام

قضى الله أن يَحمل الدينُ الخاتم الإسلامُ للبشرية كلَّ ما ييسِّر لها مهمة الحياة على الأرض، طريقًا إلى حياة أخرى يرتبط نعيمها بعمل الإنسان في حياته الأولى، ولَمَّا كان للعلم أثره في حياة الناس من حيث إنه وسيلة لكشف أسرار الكون، وطريق إلى تنوير الحياة وترقيتها، ومن حيث إنه غذاء للعقل الذي ميز الله به الإنسان وطريق من أهم طرق الوصول إلى الله سبحانه[1]، قلت: لَمَّا كان للعلم هذا الأثر حفل الإسلام في نصوصه بالحثِّ على العلم وبيان قدره تشجيعًا على تعلمه وتعليمه وتطبيقه، كما اهتمَّ الإسلام بمناهج التفكير، وبيان الروافد التي ترفد الإنسان بالمعرفة.

وحسْبنا في مجال دعوة الإسلام إلى العلم أن نراجع المواد اللُّغوية للجذور (قرأ – علم – فكر – ذكر – عقل) وما في معناها من فقه – نظر، وغيرها في معجم ألفاظ القرآن الكريم لنفهم حقيقةَ هذه الدعوة، وعلينا كذلك للغرض ذاته أن نراجع أبواب العلم في كتب الصحاح.

ونذكِّر هنا بقوله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9]، وقوله: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]، ونذكِّر بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((العلماء ورثة الأنبياء))[2]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((الكلمةُ الحِكمةُ ضالَّة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحقُّ بها))[3].

ولعلَّ في هذه المكانة الرفيعة للعلم ما يُغري الناس ويسهل عليهم تجشُّم الصعاب في سبيله، وبخاصة إذا أدركوا عون الله لطالب العلم تشجيعًا وتقديرًا، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة، ومن أبطأ به عمله لم يُسرِع به نسبه))[4].

وقد وردت رواية – بل روايات أخرى للحديث – تفيد أن الملائكة تضع أجنحتَها رضًا لطالب العلم، وأن العالم ليستغفر له مَن في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب[5].

ويشجع الإسلام على الرحلة ثم العودة لتقديم النفع لقومه الذين رحل عنهم، كما وردت بذلك آيات وأحاديث يمكن الرجوع إليها في مظانِّها؛ حيث توصي المتعلم أن يصبر وألا يضجر، كما توصي المعلم أن ييسر ولا يغضب، وأن يتحلى بما يليق بالواقف موقف النبوة في تقديم الخير للناس.

ولكي تثمر الرحلة وتظهر نتائج الصبر، شجع الإسلام على التعليم، فجعل كتمان الهدي بكل صنوفه جالبًا للعن والنقمة، ولا يُذهب أثر هذا إلا التوبة، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا ﴾ [البقرة: 159، 160]، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((مَن سُئِل عن علم ثم كتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار))[6].

ولأن مهمة التعلم شاقَّة كان أجرها كبيرًا، وقد بيَّن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ذلك حين قال: ((أفضل الصدقة أن يتعلَّم المرء المسلم علمًا ثم يعلمه لأخيه المسلم))[7]، وقال: ((إن مما يلحق المؤمن من عمله علمًا علمه ونشره))[8].

وجاء في كنز العمال رواية عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ((ما بال أقوام لا يفقِّهون جيرانهم، ولا يعلِّمونهم، ولا يفطنونهم، ولا يأمرونهم ولا ينهونهم، وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم، ولا يتفقَّهون، ولا يتفطنون))[9].

وغير هذا كثير مما يؤكِّد التشجيع على التعلم وتقديم الخير إلى الناس من خلال هذا العمل، ولَمَّا كانت مسألة التعليم والتعلم وسيلة لغاية هي العمل، حثَّ الإسلام على أن يطبق المتعلم ما علمه، وألا يستهدف بعمله هدفًا رخيصًا، من الشهرة أو الرياء أو نحوه؛ ولذلك عاتب الله المؤمنين بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3].

وكثرت الأحاديث الشريفة التي تدعو إلى الالتزام بما يقتضيه ما تعلَّمناه؛ نذكر منها ما رواه ابن ماجه من قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولتماروا به السفهاء، ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم، فمَن فعل ذلك فهو في النار)).

على أن هذه التوجيهات التي وجَّه الإسلام البشرية إليها ترتبطُ فيه بمناهج للمعرفة، تُعنَى بطريقة التفكير كما تُعنَى بروافد المعرفة التي تمدنا بالمعلومات اللازمة لحياتنا ورسالتنا فيها.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/social/0/121229/#ixzz5gBWIvYKa